إطلاق الوثيقة المتعلقة بدراسة عقوبة الإعدام في أفريقيا

share

​​عٌرفت عقوبة الإعدام لدى البشرية منذ الأزل. اذ يبدو أنه قد تم القبول بها عالميا دون نقاش. و منذ حوالي القرن التاسع عشر  تم  طرحها للنقاش من قبل مؤيدي القضاء عليها  . و منذ ذلك الحين،  تم  عقد مناظرات بين  مؤيدي بقاء عقوية الاعدام و معارضيها حيث كانت مفعمة بالعواطف و الخلافات والتعقيدات  والمجادلات. تحتفظ بعض الدول في الوقت الحالي بعقوبة الإعدام وتنفذها بسهولة ضد المجرمين المحكوم عليهم بالإعدام من قبل محاكمها، وقام البعض الآخر من الدول  بإلغاء عقوبة الإعدام تماما في حين أن البعض الآخر قام بتعليقتنفيذ احكام الإعدام بشكل رسمي أو غير رسمي ضد السجناء المدانين.

تحتفظ العديد من الدول الأفريقية بعقوبة الإعدام وتقدم ثلاثة أسباب رئيسية لتبرير القيام بذلك. من السائد القول بان القارة تعانى من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإثني. وكذلك يقال أن هناك اعتقاد شعبي قوي في العدالة الجزائية والتي لا يمكن تجاهلها. وعلاوة على ذلك، من السائد القول بأن القارة تعاني من شدة التنوع الديني والثقافي والقانوني يحرمها من الإحساس والشعور بقيم مشتركة.    

  بينما تشدد معايير حقوق الإنسان الدولية بشكل عام بقوة  على الرغبة في إلغاء عقوبة الإعدام، لا يتكلم الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب بشكل قاطع عن هذا السؤال المٌلح. ونتيجة لذلك،  شعرت اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب  والتي تعتبر الهيئة  لرصد وتنفيذ حقوق الانسان  في القارة الافريقية، مخولة للنظر في هذه المسألة . و قامت قبل بضع سنوات بإنشاء فريق عمل حول عقوبة الإعدام وكلفته بإجراء دراسة المسألة وتقديم التوصيات إليها.

تعتبر هذه الوثيقة بمثابة ثمرة متواضعة من أعمال فريق العمل. وتنظر الوثيقة بتفصيل تام لتاريخ وقانون حقوق الإنسان والجوانب العملية لعقوبة الإعدام. و تأخذ نهج شامل لمسألة عقوبة الإعدام، واضعة في اعتبارها الحاجة إلى تزويد اللجنة الأفريقية بمعلومات كافية والتي من شأنها تمكينها من اتخاذ موقف مستنير في هذا الشأن.

وتنقسم الدراسة إلى اقسام. يعطي القسم التمهيدي نظرة عالمية عامة حول عقوبة الإعدام مع التركيز بشكل خاص على أفريقيا. يكمن القسم الذي يليه مباشرة في مسألتين: سياق قانون حقوق الإنسان الذي  يعطي جزءا كبيرا من الحجج بشأن عقوبة الإعدام ومسألة عقوبة الإعدام في أفريقيا من منظور تاريخي. يبين التاريخ أن عقوبة الإعدام كانت موجودة في عصر ما قبل استعمار المجتمعات الأفريقية. عادة ما كانت عقوبة الاعدام قانونية  للجرائم الخطيرة مثل القتل غير القانوني والسحر. وشملت أساليب تنفيذ عقوبة الاعدام  قطع الرأس و الطعن بالرمح حتى الموت و اجراء السموم والدفن حيا. ومع ذلك، لم يكن الشخص المرتكب لجريمة عقوبتها الإعدام منفذة بالضرورة ضده. اذ كان بالامكان  ان يرسل|  ترسل الى المنفى المؤقت أو القيام بالرد أو بالتعويض (الدية) لعائلة الضحية. وكان الأساس  من عقوبة الإعدام يكمن في الانتقام الحرفي أو الإعجاز الدائم. تم الاطلاع باثنتين من الاعتبارات الرئيسية في دفع الدية، وهي الضرورة العملية لتهدئة غضب أسرة الضحية  بسبب الخسارة والحاجة إلى تعزيز السلام والمصالحة. كانت عقوبة الإعدام لمجموعة متنوعة من الجرائم سمة بارزة من سمات التشريع في أفريقيا المٌستعمرة وما زالت كذلك حتى في مرحلة ما بعد الاستعمار في  أفريقيا فيما يتعلق بقائمة موسعة من جرائم يعاقب عليها بالإعدام في الدول المطبقة لعقوبة الاعدام.

ويسلط القسم المقبل من الدراسة على الأحكام الواردة في الصكوك الدولية والإقليمية والوطنية ذات الصلة بمسألة عقوبة الإعدام. تقوم هذه الأحكام بتوفير إطار يتم من خلاله استخلاص المعلومات من مناقشة الحجج العملية والتحديات والتوصيات  في النقاش حول عقوبة الإعدام في أفريقيا. على عكس القارات الأخرى، تعتبر أوروبا اليوم  منطقة خالية من عقوبة الإعدام. امكانية ان تصبح قارات أخرى مناطق خالية من عقوبة الإعدام في  أي وقت قريبا هو امر بعيد المنال. في الواقع، بعض الدول في الأمريكتين، قبلت بقوة الحجة القائلة "بأنه و في المجتمع الديمقراطي، ينبغي ان يكون نظام العدالة الجنائية، بما في ذلك العقوبات الموصوفة للجرائم الأكثر خطورة، أن تعكس إرادة الشعب المٌعبر عنها بحرية  ويتم تنفيذها على نحو ملائم."

يزود القسم الرابع من الدراسة بشيء من التفصيل حول الحجج العملية المؤيدة والمعارضة لعقوبة الإعدام، ويناقش أيضا مسألة تعليق تنفيذ أحكام الإعدام. الحجة الأساسية لعقوبة الإعدام تكمن في أنها تردع الجريمة، وتمنع الانتكاسية ، وهي العقوبة المناسبة لجريمة خطيرة. ولكن الحجة المضادة تتلخص في ان العقوبة لا تردع المجرمين أكثر من عقوبة اخرى مثل السجن مدى الحياة، اذ  تنتهك  عقوبة الاعدام حقوق الإنسان وأنها تنطوي على خطر إعدام شخص مدان  عن طريق الخطأ، وأن العقاب الذي يسمح للمجرمين بالتفكير ملياً  والقيام بإصلاح أنفسهم هو أكثر ملاءمة من تنفيذ عقوبة الإعدام. تعتبر عقوبة الإعدام ملغاة بحكم الأمر الواقع في بعض الدول (أي الدول التي تم فيها تعليق تنفيذ أحكام الإعدام). عادة ما يكون تعليق تنفيذ أحكام الإعدام خطوة نحو القرار النهائي لمنع عقوبة الإعدام.ولكن للأسف، هذا ليس بالضرورة هو الحال في أفريقيا.

تأتي التحديات والاستراتيجيات في نهاية هذه الدراسة. تقر الدراسة بأن هناك تحديات في طريق الجهود المبذولة لتحقيق الإلغاء التام لعقوبة الإعدام في أفريقيا. تتضمن بعض التحديات الرئيسية التي تم تحديدها في: الدعم الشعبي لعقوبة الإعدام التي يقوده الجهل ويتفاقم بسبب الأمية؛ غياب فعالية المراقبة في كثير من البلدان، وتأثير التقاليد والدين، وتصور بعض الحكومات الأفريقية بأن الإلغاء هو بمثابة احد الاملاءات الاورويبة المركزية .                                                                                             

تتكون الاستراتيجيات التي  تم تسليط الضوء عليها في هذه الدراسة في جملة أمور منها: عمل اللجنة الأفريقية بشكل وثيق مع هيئات الأمم المتحدة ولا سيما مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان  وكذلك مع المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني بصفتهم الخاصة للحشد نحو إلغاء عقوبة الإعدام، ومواصلة الانخراط مع الدول الأطراف حول ضرورة إلغاء عقوبة الإعدام، والمشاركة من خلال قراراتها و الأنشطة الترويجية والآليات الخاصة، النظر في تقارير الدول وإجراءات الاتصالات، وتقديم التوصيات إلى الاتحاد الأفريقي وإلى الدول الأطراف باعتماد البروتوكول الملحق بالميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب بشأن إلغاء عقوبة الإعدام في أفريقيا، والحث بقوة الدول الأطراف التي ما زالت تطبق عقوبة الإعدام، في انتظار اعتماد وبدء نفاذ البروتوكول المقترح للميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب بشأن إلغاء عقوبة الإعدام في أفريقيا على  اتخاذ التدابير التالية: فرض حظر على الحكم بالإعدام و فرض تعليق تنفيذ أحكام الإعدام وتخفيف جميع أحكام الإعدام التي صدرت فعلياً الى فترة محددة أو عقوبة السجن مدى الحياة اعتمادا على خطورة ظروف الجريمة  والامتناع عن الاستمرارفي  تنفيذ عمليات الإعدام حالما يكون التعليق في محله.

وفي الختام تفترض الدراسة بأن من بين الدول التي لا تزال لديها عقوبة الإعدام في نظامها الاساسي وتواصل تطبيقها على نحو فعال، تنشأ تساؤلات خطيرة والتي تشمل  على ما يلي: إذا ما كان يمكن لنظام ما يقوم على سيادة القانون أن يستمر في فعل المجازفة بحرمان الأشخاص من الحق في الحياة، اذا ما  كان مقبولا تطبيق عقوبة الإعدام حينما يوجد عقوبة بديلة مناسبة، اذا ما كان حقا من  الإنساني الابقاء على شخص محكوم بالإعدام لسنوات مع عدم معرفته/معرفتها ما إذا كان اليوم التالي هو الاخير له/لها . ويتضح من هذه الدراسة أن هناك أفرادا ومنظمات من القطاع الخاص ومحامين وأكاديميين وسياسيين وأعضاء جماعات دينية يسعون إلى إلغاء عقوبة الإعدام.   

ويدرك فريق العمل أن هذه  الدراسة قد يكون لها بعض القيود وربما تدعو إلى مزيد من الدراسة في بعض المجالات. ومع ذلك، اقتنع فريق العمل أنه  وعلى الرغم من أي قصور قد يكون هناك، من غير المرجح أن تغير أي دراسة إضافية النتائج الأساسية للدراسة فيما يتعلق بضرورة إلغاء عقوبة الإعدام. ما يظهر من المسح  من المؤيدين والمعارضين لعقوبة الإعدام  ان الفريق الاخير هو اكثر اقنعاً من الاول.